صدر الدين عينى: مؤسس الادب الطاجيكى الحديث
مواضيع ذات صلة
(صدر الدين سعيدمرادوڤتش عيني (اسمه الحقيقي: صدر الدين سعيد مرادزاده؛
ولد صدر الدين عيني في قرية (سوقطاري) من- توابع مدينة بخارى في اوزبكستان-عام 1878 وهناك عاش عشرة أعوام بين فلاحين من مختلف القوميات طاجيك وأوزبك وعرب وفرس مهجرين من مشهد, وتعّرف عيني على لغات السكان فقد أثرو والده سيد مراد خوجة عليه تاثيراً كبيراً وهو الذي حبب اليه الشعر وكان يحرص على ان يحفظ ابنه نصوص الشعر عن ظهر قلب بل كان يمارس النظم احياناً ومرة سأله ابنه (صدر الدين) عن السر في فن الشعر ونعته بالشاعر فاجابه:(لاتسمني يابني شاعراً فالانسان الذي وفق الى نظم بيت او بيتين لايصبح شاعراً ان كلمة شاعر تنحدر من الشعور ومع ذلك فهذا لايكفي لكي يكون المرء شاعراً حقيقياً فالشاعر ملزم مثل ايسو وصائب وبديل وحافظ, ان يعرف الحياة كما يستطيع الاجابة باشعار رائعة عن كل تحدياتها ومظاهرها .
وُلِد صدر الدين في أسرة من المزارعين في قرية سقطره فيما كان إمارة بخارى. مات أبوه وهو في سن الثانية عشر، فانتقل للمعيشة مع أخيه الأكبر في بخارى، حيث التحق بالدراسة في مدرسة إسلامية وتعلم الكتابة بالعربية.
في مطلع عقد 1920، ساعد عيني في نشر الثورة الروسية في اوزبكستان وطاجيكستان. وفي 1934، حضر مؤتمر الكتاب السوڤيت، ممثلاً عن الطاجيك.
تمثال لعيني في دوشانبه.
عمل عيني على اعادة تقديم الأدب الطاجيكي إلى طاجيكستان، بعد أن كان محظوراً في فترة الإمارة، منذ أن كتب دخندة (1927)، رواية طاجيكية .
(المذكرات) المكون من أربعة مجلدات.
أشعار عيني المبكرة كانت عن الحب والطبيعة، ولكن بعد اليقظة القومية في طاجيكستان، فقد تحولت مواضيعه إلى الواقعية الاشتراكية في فجر العصر الجديد والطبقة العاملة. وكثيراً ما انتقدت كتاباته أمير بخارى. ويبرز بين أعماله العبد و سيافو بخارى واليتيم (1940).
كان عضواً في السوڤيت الأعلى لطاجيكستان لمدة 20 سنة. وحصل على رتبة لنين ثلاث مرات، وكان أول رئيس أكاديمية العلوم الطاجيكية.
قبل الدخول الى حياة الشاعر صدر الدين عيني والتعرف عليه عن كثب لابد من تسليط الضوء -ولو ملخّصاً- على الظروف الاجتماعية القاسية التي كانت تعيشها طاجيطستان وهي من بلاد آسيا الوسطى في ذلك الوقت لكي تتضح المعالم الرئيسية في شعر صدر الدين.
كانت الحياة الاجتماعية في طاجيكستان –التي كانت تتبع قديماً إمارة بخارى وأميرها كان تابعاً للقيصر الروسي- هي حياة الخضوع والعبودية التامة للنظام القيصري الروسي الذي فتح بلاد آسيا الوسطى فكانت بلاد ما وراء بحر قزوين والتي بلغت عشق آباد –عاصمة جمهورية تركمنستان الحالية- هي في متناول مخالب النظام القيصري وكانت امارة بخارى تحقق بحلفها الوثيق وخضوعها التام للنظام الروسي مصالحه فتوفر له الايدي العاملة الرخيصة كما كان انتاج القطن يتم في شروط مجحفة غاية في الاستغلال لفلاحي آسيا الوسطى وكان الامير وحاشيته هم الوحيدون الذين يتمتعون مع بعض الاقطاعيين هنا وهناك بخيرات الامارة الواسعة, اما الشعب فكان يعيش في ظلام دامس من الفقر والجوع والعوز والاستغلال, وفي ضوء هذه الاوضاع المزرية كان لابد أن ينشأ فن شعري أو على وجه أدق مذهب شعري وأدبي جديد يعكس صوت الشعب ويجسد طموح الجماهير في التخلص من ذلك الوضع الظالم والمظلوم الذي كانت تعيشه بخارى وهي –الامارة الواسعة التي كانت تشمل طاجيكستان وأجزاء من جمهورية أوزبكستان-وكان لابد ان ينشأ مثل هذا الفن التجديدي ليس في الشكل فقط بل في المضمون أيضاً في مقابل تيارين: الاول هو تيار الألوان والأبواق من الوصوليين الذين يقتاتون على موائد السلطة ويسرحون ويمرحون على آهات المظلومين والمعذبين ويمجدون الظالمين مهما بلغوا من القسوة والوحشية, أما التيار الثاني فهو الذي عكس صورة الشعب ولكن بصورة سلبية تشاؤمية إغراقاً في الحزن فكان نوعاً من الاستسلام للنظام القيصري والرضوخ تحت سطوته وجبروته وكان من إفرازات هذا التيار القصيدة التي إنبثقت فنيا وأجتماعيا في ظل ظروف قائمة آنذاك وكانت تعكس الحزن والاسى الذي كان يسكن أرواح الناس الكادحين منهم والمثقفين على حد سواء تقول القصيدة:
آه لقد ثار التراب في الطريق
آه ياجنينتي العامرة بالخزامى
لقد ضربوني بالسوط ب ضراوة
آه ياجنينتي العامرة بالخزامى
ورموني على كفل حصان– لقد سقطت في السبي ….
ليس في منطقة (أمين كار) ماء ……
كما ليس عند خادم (علم خان) شفقة
فا حتفظن بلعبي
آه ياجنينتي العامرة بالخزامى
واحكين لصديقاتي الامر – لقد سقطت في السبي ….
ولقد تركت قُلتي على الحجر
آه ياجنينتي العامرة بالخزامى
وظل منديلي في التراب. فقد استا قوتي سبية
ان هذه القصيدة هي صورة واضحة عن بشاعة النظام الاقطاعي فهي تحكي قصة طفلة أخذوها سبية وضربوها ومنعوا عنها الماء فجلاوزة أمير بخارى لم يكونوا بشراً بل كانوا سلقاً يفرضون الضرائب ويجبونها بمنتهى القسوة ومن لم يستطع أداء الضرايبة نقداً أو عيناً كانوا يصادرون بيته أو ياخذون أولاده أوبناته سبايا, فكان الفلاحون يهيمون على وجزههم تاركين المناطق التي لاقوا فيها الاهانة والسبي والسلب والنهب باحثين عن عمل في المدن فكانوا احتياطياً كبيراً للمعامل والمصانع التي كانت بيد السلطة غير ان شريحة المثقفين والمفكرين تصدوا لهذا الوضع المزري ولم يخضعوا لبطش السلطة رغم تنكيلها ونزعوا عن الشعب آطار الاستسلام والخوف وانطلقوا به ثائرين أحراراً مطالبين بتحقيق العدالة فظهر في طاجيكستان وأزبكستان وآذربيجان وكازخستان وتاتاريا وغيرها من بلاد آسيا الوسطى مفكرون أحرار ومثقفون ثوار وظّفوا اعمالهم الابداعية والادبية والفكرية في النضال ضد القيصرية والاقطاعية, من هؤلاء أحمد دانش وميرزا آخو ندوف وفرقات وأباي وعبد الله طوقاي, وفي طليعة هؤلاء كان شاعرنا صدر الدين عيني الذي كان خير مثال لهذا النهوض بوجه الاستعباد فقد عبّر هذا الشاعر من خلال التحامه الوثيق بشعبه ثم مشاركته الفعلية في النضال من اجل استقلاله عن تجسيد مطامح الانسان المضطهد ليس في طاجيكستان وحدها بل في كل البلاد الواقعة تحت نير العبودية فكان الطريق الشعري والحياتي الذي سلكه صدر الدين عيني هو المعبّر عن جوهر الروح الانسانية المشتركة وعن تعاليم الدين الاسلامي الحنيف في العمل والجهاد من اجل الحرية والاستقلال. وكان هذا هو الدرس الاول لعيني في مدرسة الشعر, وفي عام 1890 اشتدت حالة البؤس والفقر بعائلته فسافر هو واخوه (محي الدين) الى بخارى ولم يدخل شاعرنا المدرسة(لا في القرية ولا في المدينة) فالمدرسة كانت تسير وفق نسق ظالم ومظلم حرمت فيه العلوم العصرية اضافة الى ذلك فان شاعرنا يجب عليه ان يعمل ليوفر المال له ولعائلته وليس هناك وقت للمدرسة فكانت هذه هي الشرارة التي اشعلت في نفسه الثورة مبكراً.
دخل اسم صدر الدين عيني عالم الادب عام 1895 بأسماء(مهان) (محتاج) (تعيس) (معذب) وهذه الاسماء المستعارة كانت ناطقة بواقعة وواقع شعب طاجيكستان واوزبكستان بل وعموم شعوب آسيا الوسطى آنذاك وكان شعر (عيني) حزينا لكنه كان حاداً لا يخلو من نغمات السخط والهجاء وألحان الثقة بالمستقبل الزاهر .
وكان لثورة 1905 ألاثر الكبير على شعر وتطور افكار عيني فالفترة من 1905-1917 هي الفترة التي حدد فيها عيني موقفه ومكانه في الادب والحياه فقد كان يؤمن ان شعباً جاهلاً لن يقدّر قيمة الحريه ولذلك لابد من الثقافة والتنوير قبل كل شيء وتأكد هذا لديه بعد فشل ثورة1905 وهكذا هبّ مع اصدقائه ليؤسس عام 1909 جمعية سرية باسم (تربية الاطفال), وبصعوبة كبيرة انشأ مدرسة اهلية عصرية كان يكتب لتلامذتها الاشعار والقصائد ويسهم في التدريس فيها وكان تأسيس هذه المدرسة عملاً كبيراً أقضّ مضاجع أمير بخارى وجلاوزته, ذلك ان التربيه فيها كانت إنسانية وكانت الدراسة تقوم على اساس الاخوة واحترام الآخرين ولم يقف نضال شاعرنا من اجل شعبه على تأسيس هذه المدرسة بل انخراط في النضال الفعلي فحين اشتد الاسيغلال الاقطاعي والسلطوي في اسيا الوسطى اخذ الفلاحون الفقراء يبيعون ما عندهم من اراض لقاء الديون المتراكمة ولم يكن للشاعر إلّا ان يثور ناصحاً الفلاحين ان لايفعلوا هذا.
أدرك امير بخارى خطورة الاعمال التي يقوم بها (عيني) وتأثيرها في الناس فحاول استمالته الى جانيه بالاموال, وفعلاً فقد أرسل اليه الرسل يدعوه الى بلاطه, لكن شاعرنا رفض رفضاً قاطعاً وأصر على الرفض وهدد الرسل بحرق كتبه ومؤلفاتة فقال أمير بخارى في محاولة يائسة منه للتقليل من شان عيني : ان هذا الشاعر لايليق ببلاطنا. لقد كان قول امير بخارى في منتهى الحقيقة ان (عيني) لم يكن شاعراً بلاطياً فقد كان أجل واكرم من ان يكون كذلك واستمر نضال عيني فكان في طليعة الدعاة الى الوحدة والاخوة ضد الطائفية التي كانت تفتعلها القيصرية الروسية واذنابها فكان يقاومها محاولاً توعية الشعب بجوهرها واسبابها فاصبح عيني في خطوط النار الاولى في الجبهة ضد القيصرية فاغلقوا مدرسته وصاروا يطاردونه في كل مكان, وحينما انطلقت الانتفاضة الكبرى في عامي 1915-1916 كان في طليعة ثوارها وكذلك في ثورة 1917 التي عمت آسيا الوسطى ضد النظام القيصري الذي كان لشاعرنا بالمرصاد فقد اختطفه الجلاوزة من بيته وضربوه وعذبوه ثم زجوا به في السجن ولم ينقذه من الموت إلاّ زحف الثورة الى بخارى وكانت اشعاره في تلك الفترة تعكس تحوله الثوري متخذاً من التطورات الجديدة وسيلة للتعبير الشعري مؤكداً بشكل اساس على وحدة الذات والموضوع:
وفي مرحلة النضوج الأدبي لشاعرنا ظهرت في شعره انغام فلكلورية بقيت أصدإها في أرجاء
توفي صدر الدين عيني عام 1954 عن عمر يناهز السادسة والسبعين كان فيه مثالاً رائعاً لشاعر عاش كل مراحل الجديد والتجديد في شعبه وامته لقد غنى صدر الدين للحياه والشعب والحرية والربيع والاخوة مواصلاً النضال في مختلف مراحل ومستوياته وبكثير من وسائله ملاحماً بين الفكر والحياة بين الشعر والشعب والقلب والعقل مفيداً من التراث مطوراً اياه على نحو خلاق ومع انه ابن طاجيكستان إلا ان كتابته الشعر باللغتين الطاجيكية والاوزبكية يمنح الشعبين معاً حق التمجّد به فرغم فداحة التضحيات التي دفعها في حياته باسم الحريه والكرامة الانسانية إلا ان أثاره كانت عميقة في فكر ونضال شعبه وشعوب آسيا الوسطى.