حوار فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان مع قناة “الجزيرة” لدولة قطر
مواضيع ذات صلة
حضر عشرات من الصحفيين المحليين والإعلاميين الدوليين إلى طاجيكستان للاحتفال باللحظة التاريخية – إطلاق الوحدة الثانية من محطة راغون لتوليد الطاقة الكهرومائية. و تلقت قناة الجزيرة القطرية لأسئلتها من الرئيس إمام علي رحمان حول تطوير إمكانات طاجيكستان في مجال الطاقة ، وأهمية منشآت الطاقة المائية الكبيرة في راغون ، والأثر العالمي لتغير المناخ ، وعواقبه السلبية وتدابيره و مبادرات طاجيكستان على تغير المناخ ، ومبادرات المياه العالمية داخل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات المؤثرة ، ودور نشط لبلدنا في حل هذه المشكلة ، واعتماد قرار الأمم المتحدة. و إبرام الأمم المتحدة قرارا على إعلان عقد العمل الدولي “الماء من أجل التنمية المستدامة 2018-2028” ، والوضع الحالي وآفاق التعاون الإقليمي في طاجيكستان.
تأتي طاجيكستان في المرتبة الثامنة على مستوى العالم من حيث مواردها من الطاقة المائية والطاقة المتجددة. واليوم وفقاً للنسبة المئوية من حيث انتاج واستهلاك الطاقة الكهرومائية النظيفة بيئيا تحتل طاجيكستان المركز السادس في العالم.
والقضية الشاملة التي يعاني منها العالم اليوم هي مشكلة تغير المناخ والطبيعة. على سبيل المثال، وفقاً لتقديرات الخبراء الدوليين وأنظمة الأمم المتحدة ذات الصلة ، فإن شهر يوليو من هذا العام كان أكثر الشهور سخونة في العقود الأخيرة. وإننا نشهد كيف يواجه العالم سنة بعد سنة تغيرات كارثية في المناخ. لهذا السبب بدأنا انشاء محطات توليد الطاقة الكهرومائية، التي تولد الطاقة “الخضراء” يعني الطاقة المتجددة. ولقد توجهنا نحو الاقتصاد “الأخضر”. وهذا ليست له أهمية قصوى لنا أنفسنا فحسب، بل للمنطقة ككل. وإن المحطات التي نحن بصدد بنائها بإمكانها أن تخدم جميع المناطق القريبة والبعيدة.
مثلاً، نحن نقوم بتنفيذ مشروع له علاقة بمحطات توليد الطاقة يسمى كاسا 1000 (CASA1000) وهدفه انشاء خط نقل الكهرباء عالي الجهد من طاجيكستان وقرغيزستان إلى جمهورية أفغانستان الإسلامية وجمهورية باكستان الإسلامية ودول آسيوية أخرى. وهذا المشروع الذي نقوم بتطويره يحظى بدعم البنك الدولي وتقدر تكلفته بمليار واحد ومائة مليون دولار. وإذا كنا نقوم بنقل الكهرباء إلى بعض البلدان المجاورة لنا حالياً ، فبحلول عام 2021م سيكون بمقدورنا أن نصدر كميات كبيرة من الطاقة النظيفة إلى أفغانستان وباكستان. وفي هذا الصدد ، فإن محطات توليد الطاقة الكهرومائية في طاجيكستان تقدم إسهاماً كبيراً في تحسين الوضع البيئي في المنطقة. ومن ناحية أخرى ، فإن خزانات المياه ستزود السكان بالموارد اللازمة من مياه الشرب في سنوات نقص المياه والجفاف، وفي موسم الصيف تساعد على ري الأراضي في بلدان المنطقة. وبالتالي، فإن تطوير قطاع الطاقة الكهرومائية مفيد لنا وللبلدان في المنطقة وللبيئة ولتنمية الاقتصاد والصناعة. فمن هذا المنطلق نحن نقوم بتنفيذ هذه المشاريع.
الجزيرة: سيادة الرئيس ، كان لكم كتاب بعنوان “الطاجيك في مرآة التاريخ” … كيف يمكن للعرب وللمستثمرين العرب أن يساهموا في هذه النهضة في طاجيكستان؟
فخامة الرئيس: إنها في الواقع ليست مقنعة تماماً. ونحن نعتبر الدول العربية من شركائنا المهمين على الساحة الدولية، ونولي اهتمامًا مستمرًا بتطوير وتعزيز العلاقات الطيبة معها. وعلى العالم العربي أن يبدي العناية بدول المنطقة بشكل كافٍ. ويمكن القول بأن الفترة الماضية كانت مرحلة اختبارية في علاقاتنا، ولكننا نرى أن هذه المرحلة الاختبارية قد طالت. لقد مرت 28 سنة بالفعل. واليوم يشهد تعاوننا مع الدول العربية التطور، ولكنه لا يرتقي إلى مستوى مقنع. وإننا نبذل مساع كثيرة لتنمية تعاوننا الاقتصادي والتجاري والإنساني. لأننا نحن الشعب الطاجيكي والعالم العربي لدينا الكثير من القواسم المشتركة. خلال زياراتنا المتكررة للبلدان العربية سواء كانت زيارات رسمية أو زيارات عمل، لطالما دعونا هذه البلدان إلى الحضور الاقتصادي والاستثماري الأكثر فاعلية.
هنالك نماذج في هذا المجال، ولكنها ليست كثيرة. وإن تعاوننا وفي الغالب علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري قائمة مع الدول العربية مثل الكويت وقطر وهي جيدة إلى حدما مع دولة الإمارات.
مع أننا لدينا مشتركات تاريخية وحضارية إلا أن اهتمام الدول العربية بالمنطقة، ولا أدري ما هو السبب، ليس نشطاً إلى حد ملموس. ونحن من أوائل الدول في الاتحاد السوفيتي السابق التي بادرت بالانضمام إلى المؤتمر الإسلامي بينما عارضه كثيرون في ذلك الوقت وأصبحنا عضوا في تلك المنظمة، لأن لدينا تاريخاً طويلاً للغاية مع العالم الإسلامي. وإنني خلال كلماتي العديدة نوهت مرارًا وتكرارًا إلى أن الدول المتقدمة والغنية اقتصاديًا لديها إمكانية لدعم الدول النامية في العالم الإسلامي. وحتى ذكرت مثالاً على ذلك بأنه إذا قامت بإيداع عشرة في المئة من الأموال التي تودعها في بنوك الدول القوية والمتقدمة في صندوق مركزي تابع للبنك الإسلامي وذلك لدعم البلدان النامية في العالم الإسلامي، شريطة أن يبادروا بذلك، فهو يعود بالنفع من نواح كثيرة على الدول العربية، وكذلك على وحدة الأمة المسلمة وتضامنها ، وسيزداد التعاون بين الدول الإسلامية. ولكن مع الأسف، هذه الأشياء لا يسمع لها ولا تُدعم. إنه لأمر مؤسف.
الجزيرة: سؤالي الآخر، ما هي إستراتيجيتكم في طاجيكستان في تعظيم هذه الطاقة واستخدامها في الصناعة واستخدامها في تطوير طاجيكستان؟
فخامة الرئيس: في الأساس، إن المياه التي تجمع في هذه الخزانات يتم استخدامها لتوليد الطاقة الكهربائية، فإننا بلد جبلي، والجبال الشاهقة تشكل ثلاثة وتسعين في المائة من مساحة طاجيكستان، وليست لدينا الكثير من الأراضي للري. إذن، هذا الأمر يعد مصدرًا إضافيًا للري بالنسبة لبلدان المصب في موسم الصيف وخلال سنوات الجفاف. أي إننا نستخدم المياه بالدرجة الأولى لتوليد الكهرباء، والباقي ينهدر إلى دول المصب، إذ أنهم يستهلكون المياه لتنمية القطاع الزراعي.
الجزيرة: فخامة الرئيس، طاجيكستان تقع في وسط أفغانستان وقرغيزستان وأوزبكستان. كيف تنظرون إلى الصلح والمفاوضات التي تجري الآن بين الحكومة في أفغانستان وبين طالبان وما مستقبل هذا البلد؟
فخامة الرئيس: حول الوضع في أفغانستان بشكل عام، برأينا هو أن الأمن والاستقرار في آسيا الوسطى يتوقف عليه أولاً وقبل كل شيء – أي على الوضع في أفغانستان. فبناء على ذلك منذ الأيام الأولى من نيل طاجيكستان الاستقلال نحن نبذل جهودنا على الساحة الدولية لحل وتسوية قضية أفغانستان بشكل عاجل. وفي هذا البلد يستمر مثل هذه الصراعات الداخلية منذ أكثر من أربعين عامًا. والوضع الحالي في أفغانستان معقد جداً. وإننا نشاهد أنه نتيجة لتصرفات من قبل جماعات إرهابية كل أسبوع وكل شهر تقريبًا تقع حادثتان أو ثلاثة أحداث إرهابية مروعة للغاية. وإننا صرحنا أكثر من مرة بأن القضية الأفغانية ليس لها حل عسكري فحسب. لنرى أن الحرب في أفغانستان مستمرة منذ أمد طويل. فعليه، يجب أن يكون لطرق قائمة أخرى دور محوري لمعالجة المشكلة الأفغانية، بما في ذلك المفاوضات. ونحن نساند أن يتم حل القضية الأفغانية عبر المفاوضات فقط. وفي رأيي، يجب أن يكون مصير أفغانستان في أيدي الشعب الأفغاني نفسه. وإن شعب أفغانستان وحده من شأنه أن يأخذ مصيره بيده ويحدد مستقبله. وبشكل عام، لماذا الوضع في أفغانستان متدهور للغاية على مدى سنوات عديدة؟ هنا، ليس الذنب على الأفغان وحدهم. بل إن الطامّة الكبرى تتمثل في التدخل من الخارج في شؤون أفغانستان. وهذا هو السبب في استمرار هذا الوضع بالذات حتى يومنا هذا، ولا يمكن لأحد التنبؤ بما سيحدث غدًا. لكننا كدولة ذات حدود مشتركة طويلة للغاية مع أفغانستان، ندعم جميع كافة المجتمع الدولي والحكومة الأفغانية لتفعيل مسار المباحثات وحل القضية الأفغانية عبر الحوار.
ونعتقد أن عملية التفاوض التي بين طالبان والولايات المتحدة سيكون من الأفضل لو شاركت الحكومة الأفغانية في هذا المسار بفاعلية أكثر، لأن الشعب هو الذي انتخب هذه الحكومة. ثانياً، ينبغي أن يتم جلب جيران أفغانستان إلى هذا المسار. وإن الجهود التي تم بذلها من قبل المجتمع الدولي هي، على ما أعتقد، تمثل خطوة إلى الأمام نحو السلام والاستقرار. وإن عملية السلام معقدة للغاية وأنا أقول هذا الكلام من التاريخ المرير للحرب الأهلية في طاجيكستان. وكان ينبغي أن يدرسوا تجربة عملية السلام الطاجيكية لأن القضية الأفغانية تشابه وتماثل إلى حد كبير الحرب الأهلية التي دارت في بلدنا. وإننا نبذل جهودا كبيرة لمساعدة شعب أفغانستان والبلدان الصديقة والجيران خلال فترة الاستقلال وأنا على ثقة أنه ليس ببعيد أن يعم السلام والأمن في هذا البلد المجاور.
الجزيرة: فخامة الرئيس، نريد أن تطلعنا على المبادرات التي تقدمونها فيما يخص المياه واستفادة المياه وخصوصاً في هذا المنظر هذه الأنهار الموجودة الكبيرة في طاجيكستان.
فخامة الرئيس: نعم، نحن نحتل المراكز الأولى من حيث الموارد المائية ولا سيما المياه الصالحة للشرب، إذ إن أكثر من ستين في المائة من المياه في آسيا الوسطى تتشكل داخل طاجيكستان. وفي الوقت الحاضر يوجد في طاجيكستان أكثر من 12 ألف نهر جليدي. وإن قضية المياه وخاصة المياه العذبة، وفقًا لدراساتي والتحليلات التي لدينا تمثل اليوم وفي المستقبل أيضاً مشكلة خطيرة في المجتمع الدولي.
ولهذا السبب لقد أطلقنا أربع مبادرات بالتعاون مع الشركاء الآخرين في إطار منظمة الأمم المتحدة، وإن مبادرتنا الرابعة قيد التنفيذ حالياً وهي العقد الدولي للعمل، “الماء من أجل التنمية المستدامة 2018-2028م”. والهدف من مبادراتنا هذه هو أن نقدم جرس إنذار للمجتمع الدولي بشأن هذه المشكلة العالمية، أي تحديد ما يتعين علينا القيام به عبر لتعاون بشكل عام لإيجاد حلول لقضايا المياه وكيف يمكن تسوية مشكلات البلدان التي تعاني من نقص مياه الشرب أو نقص مياه الصرف الصحي. فمن هذا المنطلق بالذات، أعتقد أن مبادرتنا هذه حظيت بترحيب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع حيث تم تبني قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الشأن وهي قيد التنفيذ في الوقت الحاضر. ولهذا السبب يدعم المجتمع الدولي بالأغلبية مبادرات طاجيكستان بفاعلية كبيرة في هذا المجال. وفيما يتعلق بتنفيذ هذه المبادرة، فإنه ليس لدينا أي هدف آخر، بما في ذلك ليس لدينا أي غرض سياسي. نحن نريد من المجتمع الدولي أن يعالج هذه القضية العالمية بنظرة إيجابية وأن يكون موقفه من منطلق الواقع الموجود. وهنالك دول تعاني بشدة من مشاكل مائية حادة. فيجب علينا مساعدتهم ودعمهم للتغلب على هذه المشاكل وإنقاذ الناس منها.
وختاماً، أرحب بكم من جديد في جمهورية طاجيكستان، وبإمكانكم أن تسافروا إلى طاجيكستان في أي وقت متاح لكم لتزوروا المواقع ذات الطبيعة الخلابة في بلادنا، وليس فقط بمناسبة افتتاح مشروع ما. بإمكانكم أن تزوروا الأنهار الجليدية في طاجيكستان، وجمال الطبيعة في أجزاء بدخشان ومواطن لحيوانات طاجيكستان النادرة، بالإضافة إلى نباتاتها. مع أن طاجيكستان ليست بلدا كبيراً إلا أنها غنية بالموارد الطبيعية. وإن طاجيكستان ليست لها المياه فحسب، بل تتوفر لديها غير ذلك من الموارد الطبيعة والمعدنية، باستثناء البترول والغاز.
الجزيرة: فخامة الرئيس، نشكركم على هذا اللقاء وفي نهاية لقائنا مرة أخرى كل عام وأنتم بخير بمناسبة العيد الوطني. شكراً جزيلاً لكم.