أحمد عبده طرابيك : التاريخ المشترك بين العرب والطاجيك
مواضيع ذات صلة
يحفل التراث الأدبي والثقافي والفكري في طاجيكستان بالكثير من الذخائر النفيسة التي تركها كبار الأدباء والشعراء والمفكرين ، ورغم قلة ما يصل إلينا في العالم العربي من هذا التراث الأدبي ، إلا أن بعض المتخصصين في الأدب الفارسي يعرفون جيداً ما قدمه الشعراء والأدباء الطاجيك من تراث أدبي مازال يعبر عن المكانة التي وصل إليها هؤلاء الأدباء في حقب زمنية كانت تزخر بالمنافسات الكبيرة في هذا المجال ، خاصة أن العلاقات بين الطاجيك والعرب كانت متواصلة وعلي درجة كبيرة من المتانة في كثير من المجالات ، وفي مقدمتها الأدبي والفكر والعلمي .
نظمت جامعة خجند الحكومية يومي 28 – 29 أكتوبر 2016 ، مؤتمراً دولياً عن الشاعر كمال الخجندي بمشاركة علماء وباحثين من مختلف الدول بما فيها مصر ، حيث تعد مدينة خجند من المدن التاريخية القديمة في طاجيكستان ، وخرج منها العديد من العلماء والأدباء ، وتقوم المدينة الحالية على موقع المدينة القديمة التي وقعت في قبضة الإسكندر الأكبر عام 329 ق . م ، والذي سماها إسكندرية الأقصى ، وتشير أغلب الآراء إلي أن أصل اسم المدينة مأخوذ من كلمتي ” خوره ” و ” كنته ” واللتان تعنيان معاً ” مدينة الشمس ” .
مدينة خجند الحالية هي عاصمة ولاية صغد في جمهورية طاجيكستان ، وتقع علي نهر سيحون عند خروجه من وادي فرغانة ، وتعد من المدن الهامة في بلاد ما وراء النهر ، وعندما فتح قتيبة بن مسلم تلك البلاد ، استخدمها سكان فرغانة كخط دفاعيٍّ أول لهم ، وحملت المدينة خلال الحقبة السوفيتية من عام 1936 إلي عام 1992 اسم لينين أباد .
لم تكن مدينة خجند غريبة عن العالم العربي ، فقد جاء ذكر المدينة في كثير من كتب الجغرافيين والرحالة العرب باسم خجندة ، فقال ياقوت الحموي ” خُجَنْدَةُ ” بضم أوله ، وفتح ثانيه ، ونون ثم دال مهملة ، وهي بلدة مشهورة بما وراء النهر على شاطئ سيحون ، بينها وبين سمرقند عشرة أيام مشرقا ، وهي مدينة نزهة ليس بذلك الصّقع أنزه منها ولا أحسن فواكه ، وفي وسطها نهر جار ، والجبل متصل بها ، وقال الإصطخري في المسالك والممالك ، خجندة متاخمة لفرغانة وقد جعلناها في جملة فرغانة وإن كانت مفردة في الأعمال عنها ، وهي في غربي نهر الشاش ، كلها دور وبساتين ، وليس في عملها مدينة غير كند ، وهي بساتين ودور مفترشة ، وهي مدينة نزهة فيها فواكه تفضل على فواكه سائر النواحي ، وفي أهلها جمال ومروءة ، وهو بلد تنحدر السفن إليه في نهر الشاش ، وهو نهر يعظم من أنهار تجتمع إليه من حدود الترك والإسلام .
وقد ولد وعاش في مدينة خجند الكثير من العلماء والأدباء ، فينتسب إليها عالم الفلك ، أبو محمود الخجندي ، وعمر بن محمد بن عمر الخجندي ، المعروف باسم جلال الدين الخجندي ، والذي عاش خلال الفترة من عام 1232 إلي عام 1292 ، وهو أحد أشهر فقهاء الأحناف ، حيث ترك العديد من المؤلفات من أهمها كتاب ” شرح الهداية ” وكتاب ” المغني ” في أصول الفقه ، والشاعر إبراهيم بن أحمد بن محمد الخجندي ، الذي عاش خلال الفترة من عام 779 هـ / 1377 م إلي عام 851 هـ / 1447 م ، والذي نظم الشعر العربي وله ديوان وشرح علي الأربعين النووية .
لقد انتشر الإسلام في آسيا الوسطى خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين ، وذلك بعد الفتوحات العربية وضم المنطقة إلى الخلافة العربية الإسلامية ، وترسخ الإسلام في أوساط التاجيك وغالبية الشعوب الأخرى في المنطقة ، ثم أصبح الإسلام أهم مادة في مجالات اللغة والثقافة والفن التاجيكي ، ورغم أن اللغة التاجيكية هي اللغة الفارسية في الأصل ، إلا أن التاجيك ينتمون إلى المذهب الحنفي ، ما عدا منطقة بدخشان الجبلية حيث ينتمي سكانها الى المذهب الاسماعيلي ، وقد تمت تسمية اللغة الفارسية تحت تأثير العوامل السياسية والإقليمية إلى ” فارسية ، ودريّة ، وتاجيكية ” ، وصار ذلك أهم العوامل لأن تقطع كل من هذه الأقسام مراحل تحولية خاصة بها ظهرت في البناء والكلمات واللفّظ بشكل خاص .
شهد القرنان التاسع والعاشر نهضة الحضارة التاجيكية ، فتطورت اللغة الأدبية الفارسية التاجيكية ، وانتشر الأدب التاجيكي في المناطق النائية ، بفضل انتقال الشعراء والرحالة والعلماء والتجار من منطقة إلى أخرى وترويج المخطوطات المصورة .
كانت اللغة الفارسية التاجيكية تستخدم الأبجدية العربية ومنذ عام 1928 ، تغيرت إلي اللاتينية ، والتي تغيرت مرة أخري عام 1940 إلى الأبجدية الروسية ، ولا تتميز اللغة التاجيكية عن الفارسية إلا في اللفظ وبعض المصطلحات الجديدية .
والشاعر كمال الخجندي هو المتصوف كمال الدين مسعود بن عبد الله الخجندي ، الذي ولد في مدينة خجند عام 712 هـ / 1321 م ، ونشأ وعاش بها حتي ذهب إلي رحلة الحج ، وفي طريق عودته من الأراضي المقدسة توقف في مدينة تبريز في شمال غرب ايران وسكنها وعاش بها حتي توفي فيها ، واختلفت الروايات حول العام الذي توفي فيه ، ولكن الأقرب حسب أغلب الروايات أنه توفي عام 793 هـ / 1400 م ، وأقيم له ضريح في تبريز بالقرب من ضريح أشهر رسام ومصور منمنمات في تاريخ الإسلام كمال الدين بهزاد .
عاصر كمال الدين الخجندي في تبريز الشاعر حافظ الشيرازي ، الذي تبادل معه الرسائل والأشعار ، وقد عاش الخجندي أيام حكم السلطان حسين بن أويس الجلايري ، فحظي لديه بالاهتمام والرعاية ، وأمر السلطان ببناء خانقاه له
جسور قوية تربط بين العرب والتاجيك ، تمتد في أعماق التاريخ إلي صدر الإسلام ، وخاصة بعد وصول الفتوحات الإسلامية إلي بلاد ما وراء النهر ، حيث كانت تلك البلاد دعماً وسنداً قوياً للمسلمين ، وبوابة هامة للفتوحات الإسلامية في وسط وجنوب وشرق آسيا ، ولذا فإن ما يربط بين العرب والتاجيك هو تاريخ وميراث حضاري عريق