جريدة الاهرام: “.. وزيارة إلى مدينة الشعر”
مواضيع ذات صلة
طاجكستان..إحدى جمهوريات آسيا الوسطى وعاصمتها دوشنبه، ومنها إلى مدينة خجند التى توجهت إليها لحضور فعاليات المؤتمر الدولى للشاعر كمال الخجندى موخرا.
هذه البلاد يتكرر فيها اسم سامانى نسبة إلى إسماعيل السامانى الحاكم الشهير للدولة السامانية، والسامانىأيضا هو عملة طاجكستان، وقد ارتفع شأن الدولة السامانية فى زمن الحضارة الإسلامية ونهضت فى التجارة والصناعة من المنسوجات الحريرية والمعدنية فى جميع الآفاق، والزراعة والفنون.
وتعتبر مدينة خجند الجميلة الواقعة على طريق الحرير هى ثانى أكبر مدينة بعد العاصمة دوشنبة حيث يبدو الطقس باردا فى هذا الوقت من العام وتظهر الطرق وكأنها بين الجبال، ويمر بها نهر سيحون, وتشتهر بحديقتها و مسرح كمال خجندى المشيد على طراز معمارى متميز . كما يوجد مسجد مصلح الدين المعروف لدى أهل البلاد بطرازه وتاريخ صاحبه، وخطبة الجمعة التى تلقى باللغة العربية.
أما الشاعر صاحب الاحتفالية فهو كمال الدين مسعود الخجندى- وكما هو معروف -يعد من أكبر شعراء التصوف والعرفان, وله غزليات فى العشق الالهى فى غاية الروعة والجمال تضاهى غزليات سعدى الشيرازى وحافظ الشيرازى أعظم شعراء الأدب الفارسى.
ولد كمال الخجندى فى مدينة خجند التى تقع فى ما وراء النهر، فى القرن الثامن الهجرى، وقد تركها فى شبابه المبكر، وذهب الى طشقند لاستكمال تحصيله العلمي، ثم سافر الى مكة المكرمة لاداء فريضة الحج .
وعند عودته ذهب الى تبريز ليدخل فى حماية السلطان حسين الجلائرى .
زهد فى مباهج الحياة، و نال احترام الأمير ميرانشاه بن تيمور، وحين نقل حاكم «القبجاق» معه العديد من العلماء، وكان من بينهم هذا الشاعر حيث بقى فى مدينة «سراى» عاصمة «القفجاق» طيلة أربع سنوات و لاأحد يعلم إذا كان هذا البقاء طوعا أو كرها، و قد ظل على اعتكافه الى أن توفى.
وبعد وفاته وجدوا فى معتكفه قطعة حصير خشنة وبالية حيث كان يعيش حياة متقشفة لايبغى من حياته سوى رضا الله عنه. يشتمل ديوان الشاعر الكبير كمال الخجندى على غزليات صوفية، ومقطعات وعدة رباعيات. يذكر الشاعر الصوفى الكبير عبد الرحمن الجامى أن شعر كمال الخجندى سهل ممتنع، وقال بعض العارفين إن صحبة الشيخ أفضل من شعره، وشعر حافظ الشيرازى أفضل من صحبته.
ويقول فى وصف سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام :-
– يامن وجهك أيها القمر مطلع صبح اليقين .
– وغاشية الكبريات الشهيرة بروح الأمين .
– وجهك المضيء كالبدر المنير تماما .
– الاتكاء على منبرك أساس للفلك الأعلى .
نظم كمال الخجندى أشعارا وكأنها ممتزجة بالحرير. ومع هذا لا يعتبر هو شاعرهم الوحيد، فعند عودتنا من خجند الى العاصمة دوشنبه زرنا ضريح الشاعر الرودكى السمرقندى وابن سينا.
طبيعة خلابة تجمع بين جبال عاتية شديدة الارتفاع تكاد تلامس السحاب تكسوها الثلوج التى تتحول الى مياه تنزل الى مجاريها المعروفة أمام المنازل وتسمع خرير المياه فى كل مكان سواء فى الشوارع الواسعة أو فى الحارات الخلفية.
وفى مدينة أشروسنة استقبلتنا الفتيات الشاعرات، فنحن فى بلاد يعيش بها أحفاد كبار علماء الاسلام كالفارابى والبيرونى وابن سينا، والامام البخارى والترمذى والنسائى والزمخشري، والشعراء من أمثال الرودكى السمرقندي.
أما شعب هذا البلد فمثل طبيعته مضياف وأصحاب عادات حضارية مميزة من أصول أرية استقر فى خراسان الكبري، يحب المصريين رمز الأزهر الشريف حبا شديدا، فهو شعب متدين متمسك بسنيته.
يعمل أهل طاجكستان من الصباح إلى المساء وتعتبر الزراعة من أهم أنشطتهم، وهم شعب مثقف متعلم أكثرهم يلم بالعربية، و أغلب الشعب شعراء أبا عن جد، فلا أكاد أتذكر بيت شعر حتى يكملوه لي.
رحم الله علماء هذه البلاد الذين أشاعوا وأضاءوا بعلمهم مشاعل الحضارة فى عالم كان يعيش فى ظلام دامس.
فطاجكستان أو بلاد نهر سيحون وماوراء النهر هى إحدى جنان الله على الأرض وهى جميلة كريمة لها دور تاريخى كبير .