كلمة فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان في الاجتماع الرفيع المستوى حول انطلاق العقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة، 2018-2028”
مواضيع ذات صلة
معالي الرئيس،
معالي الأمين العام،
السيدات والسادة،
بدايةً أود أن أعرب عن جزيل الشكر لرئيس الدورة الـ72 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة معالي السيد/ ميروسلاف لايتشاك على الدعوة وتنظيم الاجتماع الرفيع المستوى حول انطلاق العقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة، 2018-2028”.
إن الاجتماع اليوم يصادف الذكرى الخامسة والعشرين لليوم العالمي للموارد المائية الذي يحتفل به في مختلف المناطق والدول.
وهذا الحدث يضاعف من أهمية اجتماعنا المكرس بانطلاق العقد الدولي للعمل.
وأنا على ثقة تامة أن هذا التجمع سيضيف صفحة جديدة إلى مسيرة العمل الواسع النطاق لمنظمة الأمم المتحدة في مجال بحث وإيجاد طرق تسوية المشاكل العالمية المتعلقة باستخدام وحماية الموارد المائية.
واليوم لا توجد في العالم منطقة ليست عندها مشكلة بشأن الموارد المائية ولا تولي عناية خاصة بدور هذه النعمة الفريدة في التنمية المستدامة.
لأن جميع قطاعات ومجالات النشاط الإنساني لها صلة وثيقة بالموارد المائية.
فمن هذا المنطلق يمكن القول بأن الموارد المائية ليست نعمة فريدة فحسب بل إنها تمثل محوراً أساسياً للتنمية المستدامة، الأمر الذي يتطلب العمل الجماعي والاحتكاك الجاد بعملية استغلال الموارد المائية وحمايتها من أجل الأجيال القادمة.
السيدات والسادة المحترمين،
نحن اليوم نمضي قدماً نحو تطبيق العقد الدولي الذي الهدف منه هو التعاون من أجل التوصل إلى الإدارة المستدامة والاستغلال الرشيد للموارد المائية.
والأمر الذي يبعث على الأمل أننا لا ننطلق في هذا الدرب من نقطة الصفر، بل نمضي في مسيرتنا معتمدين على خبرة عريضة مكتسبة من المبادرات الدولية المتعلقة بالموارد المائية على مدى خمس عشرة سنة مضت.
وعلى وجه الخصوص نحن استطعنا أن ننجز أعمالاً كثيرة عبر المساعي المشتركة في إطار مبادرات مثل “العام الدولي للمياه العذبة، 2003″، و”العقد الدولي للعمل “الماء من أجل الحياة، 2005-2015″، و”العام الدولي للتعاون في مجال المياه، 2013”.
ومن خلال تنفيذ هذه المبادارت نحن اكتسبنا خيرات قيّمة من شأنها أن تساعدنا على القيام بالواجبات الجديدة المسؤولة في قطاع الموارد المائية.
وإن كافة هذه المبادرات قدمت إسهامات مشهودة في تنمية معرفتنا حول الطبيعة والدور الحيوي للمياه في المعمورة.
وإلى جانب ذلك ساعدت المبادرات العالمية على استقطاب كافة الأطراف المعنية بإدارة الموارد المائية وتنفيذ المشاريع التي ترمي إلى تحسين عملية توافر مياه الشرب النقية وخدمات الصرف الصحي وتشغيل التكنولوجيات الحديثة والمعاصرة. وكنت أود أن أخص بالذكر دور مبادراتنا العالمية في تنفيذ الأهداف الدولية المنسقة، بما فيها الأهداف الإنمائية للألفية.
على مدى هذه السنوات نحن كرسنا جهودنا المتضافرة بتنمية التعاون والشراكة وإيجاد آليات التعاون والحوار من أجل تحصيل الحلول الرشيدة والمتبادلة المنفعة في إدارة وحفظ الموارد المحدودة لمياه الشرب النقية في كوكب الأرض.
وكل هذه الجهود وضعت قاعدة متينة لتحضير البرنامج الجديد للتنمية المستدامة حيث تحتل الموارد المائية مركزاً محورياً.
وخاصية البرنامج الجديد للتنمية المستدامة تتمثل في أن الموارد المائية تعرف فيها كعنصر أساسي للتنمية.
ويمكن القول بأن تحقيق التنمية المستدامة لن يتأتى إلا من خلال تطبيق ترشيد الإدارة والاستغلال للموارد المائية.
وفي متابعة هذ الهدف لعبت مجموعة دول أصدقاء المياه دوراً رائداً حيث إن غالبيتها أسهمت إسهاما مشهوداً في تنفيذ البرنامج العالمي للمياه.
وأنتهز هذه الفرصة أود أن أعرب عن الشكر لممثلي كافة الدول ال‘ضاء في المجموعة المشار إليها لمساعيهم المتواصلة.
كما أقدم الشكر بالارتياح لجميع الدول المشاركة في تأليف قرار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة رقم 71/222، الذي أعلنت سنوات 2018-2028 كالعقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة”.
والهدف المحوري للعقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة” 2018-2028 هو تنفيذ المهام في قطاع الموارد المائية وإيجاد ساحة واسعة لتطوير الخبرات المكتسبة والتعاون على هذا الصعيد.
وبالإضافة إلى ذلك فإن العقد الجديد سيمهد الطريق للتحول إلى مرحلة أساسية لتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية.
ونحن نتطلع إلى أن العقد بما لديه من آليات للتنفيذ والاشراف سيخلق أرضية ملائمة للتنسيق والارتقاء بجودة التدابير المتخذة والخطوات على مسيرة التوصل إلى الإدارة المشتركة للموارد المائية.
وفي الوقت نفسه أود أن أؤكد أن الآليات الحالية للتعاون والشراكة بحاجة إلى استكمال.
السادة الحضور،
مثلما ذُكر آنفاً عام 2016 بمبادرة الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي تمت دعوة الفريق الرفيع المستوى المعني بقضايا المياه وإنه من دواعي الشرف لديّ أن أقدم لكم بعض نتائج عمله.
قبل أسبوع في 14 مارس أصدر الفريق وثيقة ختامية تحت عنوان “من أجل كل قطرة ماء: الأجندة للعمل” وهي عبارة عن ثلاثة محاور:
- التأسيس للعمل؛
- أجندة العمل المشترك على المستويات المحلية والقُطرية والإقليمية؛
- الإسراع في عملية التعديل وتفعيل علاقات الشراكة والتعاون الدولي على المستوى العالمي.
وهذه الوثيقة تلخص توصيات ومبادرات الفريق في مجال تسوية القضايا الخاصة بالمياه على مستويات مختلفة بغية التوصل إلى الأهداف الإنمائية للألفية، بما فيها الهدف السادس للتنمية المستدامة.
وإن توصيات الفريق ترمي إلى تغيير الوضع الذي يعكس مدى إدراك العالم لقضية المياه وكيفية تقييمه لها ونهج إدارته لها.
والأهداف المشار إليها تستعرض بشكل خاص مدى أهمية إعطاء القيمة للمياه وإدراك قيمتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والطبيعية والخطوات المنسقة بشأن إدارة المياه والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية وتحقيق متانة البنية التحتية والاقتصاد.
كما أن هذه الأهداف تتضمن مسائل كثيرة وجودة التمويل في البنية التحتية للمياه وتطوير الابتكارات الحديثة وتنمية التعاون الدولي والشراكة في هذا القطاع.
فانطلاقاً من ذلك يدعو الفريق إلى انتهاج سياسة من شأنها أن تزيد التمويل للبنية التحتية بالضعفين خلال السنوات الخمس القريبة القادمة.
وفي هذا الصدد بالتأكيد تم إعطاء الأولوية الخاصة بتوفير مياه الشرب النقية الآمنة والظروف الملائمة للصرف الصحي كأحد الحقوق الأصلية للإنسان.
وإن توصيات الفريق بالدرجة الأولى موجهة إلى الزعماء السياسيين والأفراد الذين يبلورون الأفكار الاجتماعية ويمثلون القطاعات الخاصة والحكومية والذي بإمكانهم أن يؤثروا على السياسة في قطاع المياه أو أن يحددوها.
كما انهم يوجهون الدعوة إلى كافة الأطراف المعنية ليتحدوا من أجل إعداد واتخاذ الخطوات وكذلك تفعيل العمل في اتجاه تسوية قضايا المياه على جميع المستويات.
وإن جمهورية طاجيكستان كبلد مشارك في الفريق وصاحب المبادرة للعقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة” 2018-2028 ستدعم فيما بعد ايضاً توصيات الفريق على كافة المستويات وستعمل على تنفيذها.
وإذ أنتهز هذه الفرصة أقدم الشكر لمعالي الأمين العام وزملائه للمساعي الدؤوبة من أجل تفعيل برنامج المياه في منظمة الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق اخص بالذكر الدور الرائد لإدارة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لدى الأمم المتحدة في تنفيذ العقد وإعداد خطة عمل للعقد بدعم فاعل من الآلية المتخصصة لمنظمة الأمم المتحدة – الموارد المائية.
وأعتقد أن خطة العمل من شأنها أن تكون دليلاً مهماً وفي أوانه لجميع الأطراف المعنية في مسيرة تنفيذ العقد.
السيدات والسادة الكرام،
إنه من الواضح أن دربنا المشترك لتنفيذ الواجبات والأهداف الجديدة في مجال الموارد المائية ليس ممهداً وسهلاً.
وبالتوازي مع ذلك علينا أن نولي الاهتمام بسلسلة من القضايا التي تضع أمامنا واجبات إضافية وجماعية.
وفي هذا الصدد يتحتم علينا أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل التي تحدد معالم التعاون المستقبلي في مجال الموارد المائية:
أولاً – تغير المناخ، الذي يؤثر على كمية وجودة الموارد المائية والذي يُضعِف مساعينا الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة.
خلال عدة العقود الأخيرة من القرن الـ20 نحن في طاجيكستان فقدنا أكثر من 1000 نهر جليدي، وهذه الظاهرة تستمر بسرعة.
وإن أكبر نهر جليدي معروف باسم “فيدتشينكو” تقلص بنحو كيلومتر واحد، حيث مساحته تقلصت بنحو11 كيلومتراً مربعاً، كما أنه فقد 2 كيلومتر مكعب من حجم جليده.
خلال السنوات الأخيرة من جراء تداعيات التغير المناخي تشهد طاجيكستان التي تشكل الجبال 93 في المائة من مساحتها تزايداً في نسبة الكوارث الطبيعية الناجمة من المياه مما يحمل أضراراً مادية ومعنوية جسيمة.
كما أن الكوارث الطبيعية تعرقل جهودنا لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وتتسبب في طروء مزيد من المشاكل على مسار الحد من الفقر.
ثانياً – هو النمو السكاني وازدياد الحاجة إلى الموارد المائية الأمر الذي يفرض واجبات جديدة ومعقدة.
وفي العالم يتصاعد الطلب على الموارد المائية بسرعة بالغة الأمر الذي يتسبب بدوره في إحداث احتكاكات جادة ومقلقة بين قطاعات الاقتصاد.
وإن حدة التنافس على مصادر المياه في ظل ظروف النقص فيها بإمكانها أن تؤدي إلى تبعات سلبية حتى داخل بلد واحد.
ونحن على يقين أن تسيير إجراءات وخطوات مشتركة ومرتبطة بإدارة موارد المياه سيوجد إمكانيات جديدة لتحسين الآليات الموجودة في مجال التعاون بين القطاعات وبين الحكومات.
ثالثاً – هو الجانب المتعلق بالمساواة بين الجنسين لقضية المياه مما يجب أن يكون محل العناية.
والنساء يجب أن يتم جذبهن بفاعلية إلى العملية التنموية عبر تعزيز دورهن في إدارة المياه وحمايتها.
وإن الجلب الناجح للنساء إلى هذه العملية يوفر ضمانة لإنجازاتنا في تسوية قضايا المياه وتحقيق التنمية المستدامة بشكل عام.
رابعاً – وسائل التنفيذ التي من خلالها يجب علينا أن نعزز خططنا وأعمالنا.
وأقصد بذلك الموارد الإنسانية والمالية والاستثمارات والتكنولوجيات المتطورة.
والتعاون في قطاع التعليم وثقافة استخدام واستهلاك المياه من شأنه أن يكون واحدة من الوسائل الهامة للمساعي المشتركة.
وإن تعزيز الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص يخلق فرصاً جديدة في مسيرة نيل الأهداف في مجال توافر المياه وخدمات الصرف الصحي.
وإن طاجيكستان على مدى 15 سنة مضت قامت بصرف نحو مليار واحد من الدولار الأمركي من أجل حل قضايا توافر المياه وخدمات الصرف الصحي.
ونتيجة لذلك قامت الحكومة خلال السنوات الخمس الأخيرة بتمكين حوالي 1.2 مليون شخص للحصول على مياه الشرب ذات الجودة العالية و600 ألف شخص للحصول على مياه الشرب الآمنة.
خامساً – هو العامل العابر للحدود للتعاون في مجال المياه والذي يلعب دوراً محورياً في إرساء السلام والاستقرار وتنمية التعاون.
واليوم يوجد هنالك أكثر من 276 حوضاً من الأنهار الدولية بما يضم 148 بلداً، حيث يقطن أكثر من 40 في المائة من سكان العالم.
والتعاون المثمر من شأنه أن يضحي وسيلة فاعلة لتوثيق الخطوات المشتركة في مجال المياه، بينما النقص في قدراته يمكن أن يولد مخاطر جادة والتكاليف الطائلة محدثاً التأثير السلبي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول الحبيسة.
وفي كثير من مناطق العالم يساعد تعزيز القدرات المؤسسية للتعاون العابر المائي للحدود على التنمية المتوازنة لكافة الدول الساحلية.
وحالياً في آسيا الوسطى تستمر عملية تعزيز الاندماج الإقليمي بفاعلية، الأمر الذي يجب في اعتقادنا أن يمهد لتحسين التعاون الإقليمي في قضايا المياه والطاقة.
السيدات والسادة،
ختاماً، أود أن أذكر أن تحقيق التنمية المستدامة والازدهار والأمن لن يتسنى إلا عبر التعاون الرشيد والمثمر في مجال المياه، ذلك التعاون المبني على قاعدة الثقة المتبادلة ومراعاة طلبات واحتياجات كافة الأطراف المعنية وكذلك البحث المتواصل لسبل تحسين الحوار والتعاون.
وإن إحراز التقدم الحقيقي في هذه القطاعات يتطلب منا جميعاً إرادة سياسية متينة وموارد كافية وخطط بعيدة المدى.
والمؤتمر الدولي الرفيع المستوى حول العقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة” 2018-2028م” الذي ستعقده حكومة جمهورية طاجيكستان بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة والشركاء الآخرين خلال الفترة 20-22 يونيو من العام الجاري بمدينة دوشنبه سيخصص الاهتمام المحوري لتسوية القضايا المذكورة آنفاً.
ونحن مصممون على أن نواصل ونطور عبر المؤتمر إطار حوار اليوم ليقدم دفعاً جديداً لتعزيز الجهود الرامية إلى تنفيذ العقد الدولي.
وبالإضافة إلى ذلك فإن مؤتمر دوشنبه من شأنه أن يمثل أرضية مهمة ومناسبة لإعداد التوصيات المحددة من أجل تعزيز المساعي المعنية بإنجاز الأهداف والالتزامات في مجال الموارد المائية وذلك على أبواب الاجتماع الدوري للمنتدى السياسي الرفيع المستوى لمنظمة الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة، حيث يتم مناقشة الهدف السادس من الأهداف الإنمائية.
وأنتهز هذه الفرصة لأدعوكم جميعاً للمشاركة الفاعلة في مؤتمر دوشنبه.
وشكراً لحسن انتباهكم.