كلمة فخامة الرئيس زعيم الأمة إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان في المؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن الحفاظ على الأنهار الجليدية

مايو 30, 2025 12:26, 75 مشاهدات
54554344027_e33753b306_b

أصحاب الفخامة والدولة والمعالي ،

السادة رؤساء الوفود المحترمين،

السيدات والسادة!

أرحب بكم أجمل ترحيب في طاجيكستان، التي تستضيف أول مؤتمر دولي رفيع المستوى بشأن الحفاظ على الأنهار الجليدية.

ويعد هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو تنفيذ قرار الأمم المتحدة بشأن إعلان “عام 2025 كعام دولي للأنهار الجليدية”.

وإن المؤتمر الدولي اليوم يقدم منصة لحوار مثمر لتبادل وجهات النظر حول هذا الموضوع الحيوي وكذلك حول ترشيد الاستفادة من موارد المياه.

أيها المؤتمرون الأعزاء،

إن الذوبان السريع للأنهار الجليدية أصبح أزمة عالمية في عصرنا، وقد شهدت هذه الأنهار الجليدية انكماشًا سريعًا على مدار العقود القليلة الماضية. وهذه العملية المُقلقة غير مسبوقة في تاريخ البشرية.

ووفقًا لتقديرات الخبراء، سُجِّل أكبر انخفاض سنوي في حجم الأنهار الجليدية في عام ٢٠٢٣.

ونتيجةً لذلك، فُقد ٦٠٠ جيجا طن من المياه العذبة، مما أدى إلى ارتفاع متوسط منسوب مياه محيطات العالم.

لقد تسبب تغير المناخ إلى الآن في فقدان حوالي ثلث الأنهار الجليدية الجبلية في جميع أنحاء العالم.

ولا تعد هذه العملية مجرد مشكلة بيئية فحسب، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعديد من مجالات الحياة البشرية.

تعتبر الأنهار الجليدية أحد المصادر الرئيسية لمياه الشرب على كوكبنا، وحمايتها تشكل الأساس لتحقيق معظم أهداف التنمية المستدامة.

وفي الوقت نفسه، يتسبب الذوبان السريع للكتل الجليدية القطبية في حدوث فيضانات في البلدان والمدن الساحلية، مما يؤدي إلى نزوح الملايين من الناس من منازلهم.

فضلاً ذلك، تؤدي هذه العملية إلى تراجع حدود البلدان البرية، وتُعدّ عاملاً في هجرة السكان.

ومن الواضح أنه بدون جهود تكييف عاجلة وفعّالة، بما يتوافق مع هدف اتفاقية باريس المتمثل في إبقاء درجة الحرارة دون تغيير عند درجة ونصف (1.5 درجة مئوية)، فإن هذه الظاهرة ستكون لها عواقب وخيمة.

تلعب الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية دورًا رئيسيًا في دوران المحيطات، فهي تعمل كمنظِّمات طبيعية للمناخ على كوكبنا.

ووفقًا لتقييمات الخبراء، مع ازدياد انبعاثات غازات دفيئة في الغلاف الجوي، سيزداد الضرر الاقتصادي على البلدان المعرضة للخطر تبعًا لذلك.

وإذا ارتفعت درجة الحرارة بمعدل درجتين مئويتين، فمن المتوقع أن يختفي ثلث آخر من الأنهار الجليدية في العالم.

فمن أجل ذلك، يتعين علينا أن نبذل قصارى الجهود لضمان تنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ واتخاذ التدابير اللازمة لمنع ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

الحضور الكريم،

يُسبب الذوبان السريع للأنهار الجليدية الخلل بإمدادات المياه، ويهدد الأمن الغذائي، ويؤثر سلبًا على إنتاج الطاقة النظيفة.

وتُسبب هذه العملية في كثير من الحالات مخاطر جمة، مما يزيد من التباين الاقتصادي ويزيد من هشاشة السكان.

وعلى وجه الخصوص في المناطق الجبلية، يُسبب الذوبان السريع للأنهار الجليدية فيضانات وانهيالات طينية وانهيارات أرضية، مما يُلحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية.

إن بلادنا التي تُشكل الجبال 93% من أراضيها، تظَلّ عُرضةً للكوارث الطبيعية المرتبطة بالمياه، بما في ذلك الذوبان السريع للأنهار الجليدية.

طاجيكستان، بصفتها الدولة التي تضم أكبر الأنهار الجليدية في آسيا الوسطى، تواجه هذه الأزمة حاليًا.

حتى الآن، من أصل 14 ألفاً من الأنهار الجليدية في طاجيكستان، والتي تُشكل مصدرًا لما يصل إلى 60% من المياه العذبة في المنطقة، قضى الذوبان على 1300 عدد منها بالكامل، وإن عملية الذوبان السريع لأنهارنا الجليدية لا تزال مستمرة.

وإن فقدان الأنهار الجليدية لا يُهدد تراثنا الطبيعي فحسب، بل يُهدد أيضًا حياة ملايين البشر في المنطقة

مشاركي المؤتمر الموقرين،

أود أن أؤكد بوضوح أن حماية الأنهار الجليدية لا تُعتبر قضية خاصة بالدول التي تضم أنهارًا جليدية فحسب، بل تُمثل أيضًا أزمةً عالميةً تستحق اهتمامًا عاجلًا من المجتمع الدولي.

وفي الوقت الحالي هناك هياكل لازمة في بلادنا تعكف على دراسة الأنهار الجليدية.

وإلى جانب ذلك، تجدر الإشارة إلى أن قدراتنا العلمية والتقنية محدودة  مثل عشرات البلدان الأخرى التي تضم أنهاراً جليدية.

وللرصد الشامل للأنهار الجليدية، وتخطيط وتنفيذ تدابير عاجلة لحمايتها، يجب علينا توسيع نطاق التعاون الفعال مع جميع الشركاء.

وفي هذا السياق، هناك حاجة أيضًا إلى الابتكارات الفكرية والمساعدات المالية والتقنية.

لا تُعدّ الأنهار الجليدية في طاجيكستان مصدرًا رئيسيًا للمياه لأنهار آسيا الوسطى فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في الحفاظ على استقرار مناخ المنطقة، ولها أهمية كبيرة في حماية المناخ العالمي.

كما يتطلب الوضع الحالي لهذه الأنهار الجليدية أبحاثاً علميةً دقيقةً.

وتجدر الإشارة إلى أن دراسة عينات الجليد من نهر فانجياخ الجليدي (المعروف باسم فيدشينكو)، وهو أحد أكبر الأنهار الجليدية على اليابسة في العالم بطول 77 كيلومترًا وسُمك يصل إلى كيلومتر واحد، يمكن أن تكشف للبشرية تاريخ المناخ على مدى آلاف السنين.

بما أن أكثر من 60% من الأنهار الجليدية في المنطقة تقع في طاجيكستان، أقترح تنظيم بعثة استكشافية شاملة لدراسة الأنهار الجليدية في طاجيكستان بالتعاون مع شركاء التنمية ومعاهد البحث العلمي، وإنشاء مختبر إقليمي لعلوم الجليد في بلدنا.

ونحن ندعو جميع الشركاء والجهات المعنية إلى دعم هذه المبادرة، وبالتالي تقديم مساهمتهم الجديرة في تنفيذ “عقد العمل من أجل النهوض بعلوم الغلاف الجليدي للفترة 2025-2034م “.

الحضور الكريم،

إلى جانب العوامل الرئيسية، كتغير المناخ العالمي وتلوث الهواء، التي تؤدي إلى ذوبان الأنهار الجليدية، فقد سرّعت العواصف الرملية خلال العقود القليلة الماضية وتيرة هذه العملية في منطقتنا.

وإن واحدة من المشاكل الأخرى الخاصة  بالأنهار الجليدية في بلادنا ذات الجبال الشاهقة تتمثل في خطر انهيار البحيرات الجليدية، مما قد يُدمر المناطق المأهولة بالسكان وبنيتها التحتية، بل ويُودي خسائر في الأرواح في بعض الأحيان. في الوقت نفسه، تتميز بعض الأنهار الجليدية في طاجيكستان بخاصية الانزلاق، مما يُسبب حدوث مشاكل خطيرة.

ونظرًا لوقوع الأنهار الجليدية في طاجيكستان على ارتفاع يزيد عن ثلاثة آلاف وخمسمائة متر إلي سبعة آلاف وخمسمائة متر فوق مستوى سطح البحر، وفي مناطق جبلية وعرة، فإن تنفيذ أي برامج لحمايتها مقرون بالصعوبات.

لذلك، نقترح أن يُقيم شركاء التنمية والمنظمات الدولية تعاونًا مُثمرًا معنا لمعالجة هذه المشاكل.

تقع معظم الأنهار الجليدية في طاجيكستان، بما في ذلك نهر فانجياخ (فيدشينكو)، في جبال بامير.

وهي جزء من حديقة طاجيكستان الوطنية، المُدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

وفي هذا الصدد، قررت حكومة طاجيكستان إطلاق برنامج خاص لحماية التنوع الطبيعي لهذه الحديقة الفريدة.

مشاركي المؤتمر المحترمين،

إن طاجيكستان على مدى عشرين عامًا مضى لطالما تصدرت بكل قوة أجندة المياه والمناخ على الساحة الدولية ، مؤكدةً في الوقت نفسه على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة ومشتركة للحفاظ على الأنهار الجليدية.

ونظرًا لأهمية هذه القضية، وبمبادرة من طاجيكستان، واستنادًا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، تم إعلان سنة 2025 “السنة الدولية للأنهار الجليدية”، ويوم 21 مارس “اليوم العالمي للأنهار الجليدية”، وأُنشئ صندوق استئماني دولي للأنهار الجليدية لدى الأمم المتحدة.

ففي هذا السياق، من الضروري أن تُقدم الدول والمنظمات الدولية والإقليمية أكبر قدر ممكن من المساهمات المالية لضمان فعالية عمل هذا الصندوق.

وبالإضافة إلى ذلك، وبمبادرة من جمهورية طاجيكستان وجمهورية فرنسا، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في أغسطس من العام الماضي قراراً بشأن إعلان سنوات 2025-2034 “عقد العمل من أجل علوم الغلاف الجليدي”.

وأنا على يقين أن دعم هذا القرار سيسهم بشكل كبير في تعزيز العمل حول قضية المياه والمناخ، وخاصة التنفيذ الفعال للأهداف المرجوة.

الحضورالكريم،

من منطلق أهمية ما تقدم من الأقوال تدعو طاجيكستان المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير عاجلة وحاسمة لحماية الأنهار الجليدية.

وفي هذا الصدد، تقترح طاجيكستان الإجراءات الفورية التالية للحد من عملية ذوبان الأنهار الجليدية:

أولاً، رفع الوعي العالمي بالدور الحيوي الذي تلعبه الأنهار الجليدية في تأمين الموارد المائية ومعالجة جميع قضايا التنمية المستدامة؛

ثانياً، تعزيز التعاون الدولي، بما في ذلك من خلال المشاركة الفعالة للعلماء والباحثين والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين، لمعالجة مشكلة ذوبان الأنهار الجليدية وتداعياتها الشاملة؛

ثالثاً، الرصد الشامل والبحوث العلمية لفهم أفضل لعملية تغير الأنهار الجليدية وتأثيراتها على النُظُم البيئية وموارد المياه والقضايا الاجتماعية والاقتصادية وتغير المناخ العالمي.

ولمعالجة هذه المشكلة، يقترح أن تقوم البلدان التي تتمتع بالقدرة على جمع بيانات دقيقة عن حالة الأنهار الجليدية، وخاصة من خلال قدرات الأقمار الصناعية، بإقامة تبادل منتظم للمعلومات مع البلدان التي تفتقر إلى هذه الإمكانيات،

رابعاً: تنفيذ إجراءات جماعية للقضاء على العواقب الاجتماعية والاقتصادية لذوبان الأنهار الجليدية السريع، بما في ذلك تأثيره على الوصول إلى المياه، والأمن الغذائي، وإنتاج الطاقة، وحماية الموروث الثقافي والطبيعي.

وبشكل خاص، ينبغي اتخاذ تدابير عاجلة لحماية النباتات والحيوانات المحرومة من مواطنها المعتادة نتيجة لذوبان الأنهار الجليدية السريع.

خامساً: ترتبط معظم التدابير الرامية إلى حماية الأنهار الجليدية ارتباطاً وثيقاً بتدابير معالجة مشاكل تغير المناخ.

لذلك، ثمة حاجة إلى مساعدة البلدان في تنفيذ برامج واستراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ، بما في ذلك في المناطق العُرضة للخطر، من خلال مناهج متكاملة، مثل أنظمة الإنذار المبكر والحد من مخاطر الكوارث.

سادساً: التوظيف الفعال للموارد المالية والتقنية وتعبئتها من أجل التنفيذ العملي لمبادرات حماية الأنهار الجليدية والمساهمة في الصندوق الاستئماني الدولي لحفظ الأنهار الجليدية.

سابعاً: إعداد وتنفيذ استراتيجيات وخطط عمل على المستويين الوطني والإقليمي من أجل الأجيال القادمة.

كما أقترح وضع استراتيجية عالمية للحفاظ على الأنهار الجليدية على المستوى العالمي.

ولتنفيذها فيما بعد، ينبغي الاستفادة من تجارب الآليات الأخرى القائمة، مثل معاهدات تغير المناخ، والتنوع البيولوجي، ومكافحة التصحر، وما شابه ذلك.

وإن طاجيكستان سوف تقوم بطرح هذه المبادرة في إطار الأمم المتحدة، وتدعو جميع الدول إلى دعمها.

الضيوف الأعزاء،

إنني على ثقة بأن مخرجات مؤتمر اليوم، بما في ذلك إعلان مؤتمر دوشنبه ونداء المشاركين في المؤتمر، ستخدم كدعوة إلى اتخاذ إجراءات عملية من جانب المجتمع الدولي للمساهمة في المسارات العالمية المهمة في مجالات المياه والمناخ والتنمية المستدامة.

كما أن نتائج مؤتمر اليوم تهيئ الأرضية لبلورة مسار دوشنبه الجديد لحماية الأنهار الجليدية.

إن هدفنا الرئيسي هو ضمان الحفاظ على هذه الموارد الحيوية لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية، وذلك من خلال الجهود المشتركة الفعالة التي يبذلها المجتمع الدولي.

وإن كل ذرة تذوب من الأنهار الجليدية تزيد المخاطر على مستقبل البشرية.

فبناء على ذلك، تعالوا نستغل كل لحظة لنسهم في الحفاظ على كنز الطبيعة الذي لا يقدر بثمن – الأنهار الجليدية، ولضمان مستقبل مشرق للبشرية!

آمل أن يبذل المجتمع الدولي جهودًا أكثر من ذي قبل من أجل تنفيذ الأهداف والالتزامات المتعلقة بالمياه والمناخ دون تأخير، ولا سيما حماية الأنهار الجليدية والاستخدام الفعال والعقلاني للمياه.

شكرًا لكم على اهتمامكم.

 

 

 

مايو 30, 2025 12:26, 75 مشاهدات

أخبار أخرى لهذا القسم